01‏/05‏/2022

من حلقات المجازر


وكأنما لا يكفي بأننا لا نتعلم من التاريخ شيئاَ، بل إننا نكرر أسوأ أحداث التاريخ، وكأنما هي لعنة السابقين على اللاحقين. في الوقت الذي انتشرت به مقاطع فيديو مرعبة عما حصل في مجزرة حي التضامن، كنت اتابع - وللمرة السابعة- فيلم يجسد أحداث الثورة الفرنسية، فاكتفيت بهذه عن تلك.
إذا كان يمكننا الحكم على الأحداث في سوريا بأنها "ثورة فاشلة" وعلى الأحداث في فرنسا بأنها "ثورة ناجحة" فإنه من الغريب أن الإثنتين تشتركان " بالمجازر" فقد شهدت الأولى أحداث دامية ومازالت، وشهدت الثانية أحداث متناقضة، فقد كانت شعارات الحرية والإخاء والمساواة هي المظلة التي تمت تحتها أبشع الجرائم، كما وصفها شامفور " كن أخي وإلا قتلتك" .
يمكن وصف الثورة بأنها الزلزال الذي تنفجر عنده حركة الصفائح الاجتماعية التي كانت تتحرك ببطء، وبدون أن يلحظها أحد. وعند لحظة الانفجار فإن كل السيناريوهات ممكنة، وتصبح الأحداث خليط سريع الاشتعال من عناصر داخلية وخارجية، بل قد يصل الأمر إلى الحد الذي يمكن من خلاله أن صيحة أو تصرف رجل مجهول في حشد من الجماهيرقد تؤدي إلى نتائج لم يكن أحد يلقي لها بالاً على الإطلاق. وهذا الذي دعى غوستاف لوبون وغيره إلى دراسة سيكولوجية الجماهير لمعرفة العوامل التي تفعل فعلها في مثل هذه المواقف.
لماذا تحدث المجازر؟
في الأحداث الاجتماعية الحادة يميل الناس إلى تبني الآراء الأكثر حدة ووضوح، كما يميلون إلى التشكك والعداء تجاه من لا يشاركهم أرائهم. ومثل ما ينقسم ملعب كرة قدم بين جماهير فريقين متنافسين في مباراة نهائية، يسود التوتر والتشكك في نزاهة وحيادية الجميع بما في ذلك الحكم الذي يفترض به أساساً أن يكون نزيها وحيادياً، , وسيكون حدوث أي خطأ سواء كان مقصوداً أو غير مقصود كفيل بإشعال فتيل الجو المتوتر.
في الثورات تفقد القيادات قدرتها على السيطرة، كما تميل إلى مسايرة الحشد حتى لا تفقد قوتها. في فيلم الثورة الفرنسية مثلا وأثناء حدوث المجازر جاء ديمولان وقد عذبه ضميره لما يشاهده من قتل باسم الثورة إلى دانتون، وطلب منه أن يوقف هذه المجازر بعد أن تركها لفترة، فقال له دانتون: هل تعتقد إن بإمكاني السيطرة عليهم ؟ لا أحد يمكنه ذلك.
فقدان السيطرة من جميع الأطراف، حيث تقوم الثورة بإضعاف الحكومات القائمة، حتى إذا سقطت بعد مقاومة، تتولى السلطة أطراف ليست أبدا بأقل ضعفا، ثم تميل هذه الأطراف إلى الانقسام والنزاع، بشكل متكرر بنفس النمط طوال التاريخ. يصاحب هذا الضعف في السيطرة فوضى عارمة و أبواب مشرعة لتدخل أطراف خارجية تميل مصالحها بطبيعة الحال إلى التضارب. ثم بعد أن ينفجر العنف يصبح جزء من الحياة اليومية وشيء لا يثير السخط ، يمارسه الأشخاص بكل برود وبضمير مرتاح تماما، فالمبررات التي يسوقونها كافية بإسكات أي نداء إنساني لمسائلة هذه الأفعال.


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق